مثلما ليس لنا وطن وبلد أخر غير الجزائر ، لن يكون لنا منتخب أخر غير
الخضر ، ومهما قست علينا بلادنا فإننا لن نرضى لها وطنا بديلا ، كذلك هو
الحال بالنسبة للمنتخب الذي كان وسيبقى عشقنا الأول والأخير، بسعدان أو
بدونه ، بعيوبه ونقائصه ، وبسلبياته وايجابياته وأفراحه وأحزانه .
أردت قول هذا الكلام لأجدد التذكير بضرورة حماية المنتخب والدفاع عنه
والولاء له مثل الولاء للوطن ، والولاء للوطن والمنتخب لا يعني أبدا
السكوت عن النقائص والأخطاء أو تزوير الحقائق ، ولكن لا يعني أيضا بأن
نصبح كلنا مدربين ، وكل واحد يغني بغنائه ويطلق الأحكام بأهوائه ، ويصبح
كل واحد يتصرف معه وكأنه ناد من النوادي .
المنتخب ليس ناد نعشقه اليوم ونقف إلى جانبه لأنه يفوز ويسعدنا، ونهجره غد لأنه خسر مباراة أو مسابقة.
المنتخب مثل الجزائر لا بديل لهما ، بينما يمكنني أن أعشق اليوم ناديا
واثنان أو ثلاثة وغدا ناد أخرا لسبب أو لأخر ، ويمكنني أن أهجر النادي
وأهجر مباريات الدوري ، ولكن أبدا لا يحدث هذا مع المنتخب الذي يرتبط
بالوطن في وقت لم يعد هناك ما يبعث على التفاؤل والاطمئنان والأمل ، ولم
يقدر سوى المنتخب على توحيدنا على قلب رجل واحد ، وإخراجنا إلى الشوارع
بتلك الكيفية التي عشناها .
الكل استفاد من المنتخب ، وكل الجزائر نالت نصيبها من تأهله إلى المونديال
، وكل الجزائر يجب أن تستثمر ليتواصل التألق والتفوق في كل المجالات .
الدولة والحكومة استفادت من هدنة اجتماعية وسياسية في وقت يعرف البلد
تحولات عميقة واضطرابات في قطاعات السكن والصحة والتربية والتعليم، ويعرف
حملة لمحاربة الفساد ضد قوى الشر التي تقاوم وتناور ..
الشعب والجماهير معنوياتهم ارتفعت وثقتهم في أنفسهم زادت وإقبالهم على
الحياة صار كبيرا، وتدعم اعتزازهم بوطنهم وهويتهم، وظهرت نخوتهم وقدرتهم
على رفع التحدي .
اللاعبون والطاقم الفني صاروا نجوما بفضل المنتخب يحظون باستقبال شعبي
ورسمي لم يسبق له مثيل، وتدعم رصيدهم الفني والمادي بشكل لم يحلموا به ،
ولكم أن تعودوا بالذاكرة إلى الوراء لتتذكروا أين كان يلعب عنتر وبوقرة
وحليش وبلحاج وزياني ، وأين صاروا اليوم .
الاقتصاد الوطني انتعش وإقبال المواطنين على الاستهلاك والاستثمار زاد ،
والفاف وصلت مداخيلها رقما لم يسبق له مثيل في التاريخ، والمؤسسات الكبرى
تتنافس على تمويل ورعاية اللاعبين و المنتخب .
المجتمع كله تحرر وتفتح وأقبل على بعضه البعض محبا ومتسامحا ومجندا ، ومستعدا للمزيد من التضحيات.
الجزائريون في المهجر استعادوا جزائريتهم واعتزازهم بانتمائهم وبوطنهم ،
وفعل بهم منتخبهم ما لم يفعل الزمان والمكان الذي يتواجدون فيه .
الصحافة الوطنية كانت أكبر المستفيدين مهنيا وماديا واجتماعيا ، وخرجت
مستفيدة من تجربة جديدة بحلوها ومرها ، أثبتت من خلالها ارتباطها بالوطن
والشعب واستثمرت قدر المستطاع رغم قصر عمر تجربتها الديمقراطية .
الجزائر كلها استفادت، وتغيرت وتحولت بفضل المنتخب، والرياضة والكرة
والشبيبة الجزائرية هي التي يجب أن تستفيد وتقطف الثمار لتربح الرهان ..
بالنظر إلى كل هذا لن نسمح لأي كان مهما كان أن يمس هذا المكسب الوطني
الذي صار من الثوابت ويأتي بعد الله والوطن والشرف ،وهذا لايعني بأننا لا
ننتقده عند الضرورة ، ونصفق ونطبل له فقط ، وعندما نتحدث عن المنتخب لا
نقصد لا راوراوة ولا سعدان ولا حتى الأسماء التي يتكون منها لأنهم ذاهبون
، وإنما نتحدث عن الكيان والرمز، ونتحدث عن المكسب والانتماء وعن الهوية
الوطنية .
" نقلا عن جريدة الهداف الدولي الجزائرية "hafder@yahoo.fr